Sunday, April 17, 2005

لسه بافرح زي زمان!

ما بقيتيش بتفرحي زي زمان
في الكتابة. لم اكتب، وتعللت لنفسي بأن الجو غير مشجع للكتابة؛ فلا ستينج، ولا شيكولاتة ساخنة ولا كريمة مخفوقة. أرهقت نفسي باختبار مدي صحة كلماتها، وكلما ضاق احكام قفصي الصدري على قلبي، كنت أهمس لنفسي
Ghada, take a deep breath and count your blessings.

ولكنني كنت قد استنفذت تماما .. أصبت بفقدان شهية مزمن للحياة .. لم تعد هناك ألوان ولا صباحات طيبة. فقط بقي ذلك التجهم.

كل ما كان يواسيني في صمتي، هو خروج فيروز من تحت جلدي بين الحين والآخر، لتخبئني في صوتها.."يا ليلي يا ليلي". كانت تغلف روحي بغلالة من حرير وردي، وتحيطني بحالة من صمت مقدس أتاح لي ارهاف السمع لدقات القلب. وهناك، بين الدقات، وجدتهم، واستغربت نفسي كيف لي أن أقع في غيامة الاكتئاب وهم هناك .. يلعبون تحت جلدي ويملأون حياتي "صريخا" و"ضحكا" و"عكرتة"!

تسعة ملائكة من ذوات الأقدام الصغيرة والكفوف الأصغر، لهم من العمر سنة ونصف بالتمام والكمال. قابلتهم مرتان فقط حتى الآن، آخرهما كانت بالأمس، ولكنني كنت أشعر وكأنني أعرفهم منذ زمن .. تلك الطريقة التي اندمجنا بها سويا .. تلك الضحكات .. وتلك الهدهدة التي كانت لروحي قبل أن تكون لاجسادهم الصغيرة.

دار ليلي للأيتام..
لا تبعد عن منزلي كثيرا .. في الحقيقة لا يحتاج وصولي إلى هناك لأكثر من ربع ساعة . وهناك التقيت بهم..ريم، عاصم، خلود، إسلام، وائل، حنان، هيثم، ياسر، وإبراهيم. في البداية، انكمشت منهم قليلا، واتسعت عيناي عندما رأيت تعلق ريم غير الطبيعي بأمي (هي التي اصطحبتي أول مرة بالمناسبة). بعدها لم أدري سوى بنفسي أجري في كل أرجاء المكان وأنا أوسعهم تقبيلا وحملا وعضعضة!..شعرت بنفسي انكمش وأصبح في مثل حجمهم. أضحك مثلهم وأختبيء وراء الكراسي مثلهم أيضا! شعرت بخيط رفيع يربط بين روحي وبينهم، وعرفت أن زياراتي لهم لن تقتصر على أيام السبت فقط كما كنت قد خططت .وطيلة الأسبوع الماضي، وبين الأوراق المكدسة، ومواعيد التسليم، وشعور الاكتئاب الذي لازمني، كنت أفكر فيهم، وأرسل روحي إليهم كي تطمئن. ومن وسطهم كان عاصم.

لا أدر لماذا تهفو روحي إليه هكذا، ولماذا تجري كل خلاياي نحوه حين أراه. عاصم لديه من الأسنان أربعة. يملأ الكون بضحكته إن ضحك. أول مرة حملته تعلق بكتفي، ولم يدعه مطلقا. أصر إصرارا عجيبا على أن أشاركه وجبته –الشهية جدا- المكونة من .. احم..مشابك الغسيل! بالتأكيد كان منظري غريبا عندما رأتني صاحبة الدار حين دخلت علينا فجأة..حتما كنت أشبه البطريق بالمشبك في فمي! وعند موعد الافطار، كان يعاكسني، ولم يرض أن يتناول فطوره سوى من يدي أنا. لازلت أسمع صوته "ممم .. ممم"،وحين أفلتت منه كلمة "ماما" ، أدمعت عيناي. بالأمس، رفض أن يتركني حتى ثقلت عيناه، دفأ جسده، ثم استكان في نومه بين أحضاني. ومنذ لحظتها، لا أستطيع منع نفسي من التفكير فيه، ومن القلق عليه.


وجوده في حياتي .. أصداء ضحكته .. دبيب قدمه الصغيرة التي تجري مني وإليّ ..لعبه وسريره بألوانه المبهجة .. يخبرني بأن لا داعي لتلك الغيامة السوداء التي غرقت فيها وبأن "لأ .. لسه بافرح زي زمان".

(اسمعوا أغنية "شمس الأطفال" من
هنا)