Saturday, October 12, 2019

Voice Note


اليوم الخامس من أيام الهروب المتفق عليه..لازلت غير قادرة على الامساك بالقلم والكتابة. علاقتي بالقلم بحكم عملي في التدريس وكوني أم وثيقة جدا، فنحن تقريبا متلازمان. استخدم القلم في تدوين قوائم المهام أو تدوين ملاحظات الاجتماعات  أو اسماء طلابي ودرجاتهم أو خطط سير الدروس اليومية. كما استخدمه ايضا في تحضير جداول الوجبات الاسبوعية وتدوين مواعيد طبيب الأولاد واحتياجاتهم من ادوات مدرسية وخلافه . هذا كل شيء.

اهرب من هذا كله في جولات صباحية يوم أجازتي بحجة شحن الفنان الداخلي والكتابة، ولكن لا أكتب. أعيد اكتشاف المدينة القديمة بعد أن انهكتها الثورة بفضول قطة. سنوات مضت دون الاقتراب من هذا الجانب من العالم؟، فمدرستي ومدرسة أولادي وعمل زوجي في الضفة الغربية من وسط البلد. ما الذي حدث هنا؟ أتجاوز غربتي بتسجيل رسالة صوتية لصديقتي الحميمة قاطنة كندا منذ ما يربو على العشر سنوات. تمر الأيام والاشخاص ولا يأخذ مكانها في قلبي أحد- حتى لو برسائل صوتية ارسلها في صباحي تنتظر ربما بالأيام حتى تستمع إليها هي وترد عليها بأخرى مماثلة. تبقى هي في مكانها في قلبي وتكون لمكالمتها –التي غالبا ما تكون في إجازات التيرم أو النصف تيرم- هي أفضل ما في السنة وبألف حديث مع ألف شخص غيرها. هي المكالمة التي أحتمل من اجلها رداءة الانترنت وانقطاع الاتصال بالخمس عشرة مرة وهي التي احتسي لها فنجان القهوة الدوبل بعد العاشرة مساء كي أبقى متيقظة وأنا أحدثها دون أن أنام. بالمناسبة، سحقا لفروق التوقيت.

اخبرها في رسالتي أنني سوف أتعلم الطبلة أخيرا، بعد سنوات من الرغبة وعدم التنفيذ. أخبرها بأنني أخيرا وجدت من يساعدني وأنني سأبدأ دروسي الأسبوع المقبل.

"طبالة يا بيبو!"، يقولها لي زوجي ممازحها رافعا حاجبه مندهشا من اختياري. أقول ملاوعة "وايه يعني براحتي" . أخبرها بأنني في احيان كثيرة أشفق عليه من كوني أنا، فالحياة العادية لا ترضيني، وخناقاتي مع نفسي لا تنتهي وغرابة أطواري وتعدد اهتماماتي مرهق لي شخصيا فمابالك بمن يعيش معي ومضطر لتحمل هذا الجنون. أعرف انها ستخبرني بأن "برافو عليكي" وكم من الرائع أن يكون للمرء اهتمامات مختلفة وستخبرني كما يخبرني هو بأنه لا تعارض فيما افعل وبأن الكل يصب في خبرتي ويطورني كإنسان. اسمتع لهم بكل هدوء وارد بثقة "نعم بالطبع نعم! بلا بلا بلا!" . يؤكدان علي النقطة ذاتها، فابتسم. ربما لهذا احبهما على أي حال.

اعبر كوبري المنيل، من أمام معهد الأورام فيقشعر بدني. أخبرها في رسالتي الصوتية أنني عبرت الكوبري وأنني تذكرت حادث التفجير الذي وقع هنا من شهور. أكاد اقسم لها بأنني اشم رائحة اللحم المحترق والكاوتشوك الذائب وأسمع صرخات من نجوا باحثسن عن ذويهم ملتعاين من تناثر الدم والاشلاء. أذكرها بتفاصيل أن هناك ثمه سيارة مفخخة عادت من طريقها لتنفجر في سيارتي ميكروباص تابعين لاحدى الأفراح. المفارقة مفجعة. اسألها إن كانت قد قرأت عند الموضوع في السوشيال ميديا واعلق خاتمة بأنني –في مشيي- اشعر وكأن الأرض تئن من تحتي. استطرد في ذهني مفكرة بأن هذا تعبير جميل قد استخدمه يوما ما في الكتابة واهز كتفي في اسى من الأمر برمته.

اختم رسالتي لها بأن محاولاتي في التوازن تستنفذ طاقتي، فما بين التدريس وواجباتي كأم وزوجة اسقط فريسة لفكرة أنني خلقت لأحقق رغبات الجميع! أنا الجني الذي من شأنه أن يصلح المعوج ويعدل المائل. لهذا احارب لأتنفس في خارج اطار ادواري، استكشف العالم بعد قصبة انفي. ممتنة لمن حولي ومشفقة عليهم وهم يستمعون ويصفقون لدقي على الطبلة -بنشاز بيّن-"دوم.. تك تك.. دوم تك".